فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {إِنَّ قارونَ كان من قوم موسى} أي: من عشيرته؛ وفي نسبه إِلى موسى ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه كان ابن عمه، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال عبد الله بن الحارث، وإِبراهيم، وابن جريج.
والثاني: ابن خالته، رواه عطاء عن ابن عباس.
والثالث: أنه كان عمَّ موسى، قاله ابن إِسحاق.
قال الزجاج: قارون اسم أعجمي لا ينصرف، ولو كان فاعولًا من العربية من قرنتُ الشيء لانصرف.
قوله تعالى: {فبغى عليهم} فيه خمسة أقوال:
أحدها: أنه جعل لِبَغِيٍّ جُعْلًا على أن تقذف موسى بنفسها، ففعلت، فاستحلفها موسى على ما قالت، فأخبرته بقصتها، فكان هذا بغيه، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه بغى بالكفر بالله تعالى، قاله الضحاك.
والثالث: بالكِبْر، قاله قتادة.
والرابع: أنه زاد في طول ثيابه شِبرًا، قاله عطاء الخراساني، وشهر بن حوشب.
والخامس: أنه كان يخدم فرعون فتعدَّى على بني إِسرائيل وظلمهم، حكاه الماوردي.
وفي المراد بمفاتحه قولان:
أحدهما: أنها مفاتيح الخزائن التي تفتح بها الأبواب، قاله مجاهد، وقتادة.
وروى الأعمش عن خيثمة قال: كانت مفاتيح قارون وِقْر ستين بغلًا، وكانت من جلود، كل مفتاح مثل الأصبع.
والثاني: أنها خزائنه، قاله السدي، وأبو صالح، والضحاك.
قال الزجاج: وهذا الأشبه أن تكون مفاتحه خزائن ماله؛ وإِلى نحو هذا ذهب ابن قتيبة.
قال أبو صالح: كانت خزائنه تُحمل على أربعين بغلًا.
قوله تعالى: {لَتَنُوءُ بالعُصبة} أي: تُثقلهم وتُميلهم.
ومعنى الكلام: لَتُنِيءُ العصبةَ، فلمَّا دخلت الباءُ في {العُصْبة} انفتحت التاء، كما تقول: هذا يَذْهَبُ بالأبصارِ، وهذا يُذْهِبُ الأبصارَ، وهذا اختيار الفراء، وابن قتيبة، والزجَّاج في آخرين.
وقال بعضهم: هذا من المقلوب، وتقديره: ما إِن العُصْبة لَتَنُوء بمفاتحه، كما يقال: إِنها لَتَنُوء بها عجيزُتها، أي: هي تَنْوء بعجيزتها، وأنشدوا:
فَدَيْتُ بِنَفْسِهِ نَفِسْي ومَالي ** ومَا آلُوكَ إِلاَّ مَا أُطِيقُ

أي: فديت بنفسي وبمالي نفسه، وهذا اختيار أبي عبيدة، والأخفش.
وقد بيَّنَّا معنى العُصْبة في سورة [يوسف: 8]، وفي المراد بها هاهنا ستة أقوال:
أحدها: أربعون رجلًا، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثاني: ما بين الثلاثة إِلى العشرة، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثالث: خمسة عشر، قاله مجاهد.
والرابع: فوق العشرة إِلى الأربعين، قاله قتادة.
والخامس: سبعون رجلًا، قاله أبو صالح.
والسادس: ما بين الخمسة عشر إِلى الأربعين، حكاه الزجاج.
قوله تعالى: {إِذ قال له قومه} في القائل له قولان:
أحدهما: أنهم المؤمنون من قومه، قاله السدي.
والثاني: أنه قول موسى له، حكاه الماوردي.
قوله تعالى: {لا تَفْرَحْ} قال ابن قتيبة: المعنى: لا تأشَرْ، ولا تَبطَرْ، قال الشاعر:
ولستُ بِمِفْراحٍ إِذا الدَّهرُ سَرَّني ** ولا جازعٍ من صَرْفهِ المُتَحَوِّلِ

أي: لستُ بأَشِرٍ، فأمَّا السرورُ، فليس بمكروه.
{إِنَّ الله لا يُحِبُّ الفَرِحِين} وقرأ أبو رجاء، وأبو حيوة، وعاصم الجحدري، وابن أبي عبلة: {الفَارِحِين} بألف.
قوله تعالى: {وابْتَغِ فيما آتاكَ اللّهُ} أي: اطلب فيما أعطاكَ اللّهُ من الأموال.
وقرأ أبو المتوكل، وابن السميفع: {واتَّبِعْ} بتشديد التاء وكسر الباء بعدها وعين ساكنة غير معجمة {الدارَ الآخرةَ} وهي: الجنة؛ وذلك يكون بانفاقه في رضى الله تعالى وشُكر المُنْعِم به {ولا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِن الدُّنيا} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن يعمل في الدنيا للآخرة، قاله ابن عباس، ومجاهد، والجمهور.
والثاني: أن يُقدِّم الفضل ويُمسك ما يُغْنيه، قاله الحسن.
والثالث: أن يستغنيَ بالحلال عن الحرام، قاله قتادة.
وفي معنى {وأَحْسِنْ كما أحسن اللّهُ إِليك} ثلاثة أقوال حكاها الماوردي.
أحدها: أَعْطِ فضل مالك كما زادك على قدر حاجتك.
والثاني: أَحْسِن فيما افترض عليك كما أحسن في إِنعامه إِليك.
والثالث: أحسن في طلب الحلال كما أحسن إِليك في الإِحلال.
قوله تعالى: {ولا تَبْغِ الفساد في الأرض} فتعمل فيها بالمعاصي.
قوله تعالى: {إِنَّما أُوتيتُه} يعني المال {على عِلْمٍ عِندي} فيه خمسة أقوال:
أحدها: على عِلْم عندي بصنعة الذهب، رواه أبو صالح عن ابن عباس؛ قال الزجاج: وهذا لا أصل له، لأن الكيمياء باطل لا حقيقة له.
والثاني: برضى الله عني، قاله ابن زيد.
والثالث: على خيرٍ عَلِمَهُ الله عندي، قاله مقاتل.
والرابع: إِنما أُعطيتُه لفضل علمي، قاله الفراء.
قال الزجاج: ادَّعى أنه أُعطيَ المال لعلمه بالتوراة.
والخامس: على علم عندي بوجوه المكاسب، حكاه الماوردي.
قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَعْلَمْ} يعني قارون {أنَّ الله قد أهلك} بالعذاب {مِنْ قَبْله مِنَ القُرون} في الدُّنيا حين كذَّبوا رُسُلَهم {مَنْ هو أشدُّ منه قُوَّةً وأكثرُ جَمْعًا} للأموال.
وفي قوله: {ولا يُسْأَلُ عن ذُنوبهم المُجْرِمون} ثلاثة أقوال:
أحدها: لا يُسْأَلون ليُعْلَم ذلك مِنْ قِبَلهم وإِن سئلوا سؤال توبيخ، قاله الحسن.
والثاني: أن الملائكة تعرفهم بسيماهم فلا تسألهم عن ذنوبهم، قاله مجاهد.
والثالث: يدخلون النار بغير حساب، قاله قتادة.
وقال السدي: يعذَّبون ولا يُسْأَلون عن ذُنوبهم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ موسى}.
لما قال تعالى: {وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الحياة الدنيا وَزِينَتُهَا} [القصص: 60] بيّن أن قارون أوتيها واغتر بها ولم تعصمه من عذاب الله كما لم تعصم فرعون، ولستم أيها المشركون بأكثر عددًا ومالًا من قارون وفرعون، فلم ينفع فرعون جنوده وأمواله، ولم ينفع قارون قرابته من موسى ولا كنوزه.
قال النّخعيّ وقتادة وغيرهما: كان ابن عم موسى لَحًّا؛ وهو قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب، وموسى بن عمران بن قاهث. وقال ابن إسحاق: كان عمّ موسى لأب وأمّ. وقيل: كان ابن خالته. ولم ينصرف للعجمة والتعريف. وما كان على وزن فاعول أعجميًا لا يحسن فيه الألف واللام لم ينصرف في المعرفة وانصرف في النكرة، فإن حسنت فيه الألف واللام انصرف إن كان اسمًا لمذكر نحو طاوس وراقود.
قال الزجاج: ولو كان قارون من قرنت الشيء لانصرف.
{فبغى عَلَيْهِمْ} بغيه أنه زاد في طول ثوبه شبرًا؛ قاله شهر ابن حوشب.
وفي الحديث: «لا ينظر الله إلى من جرّ إزاره بطرًا» وقيل: بغيه كفره بالله عز وجل؛ قاله الضحاك.
وقيل: بغيه استخفافه بهم بكثرة ماله وولده؛ قاله قتادة.
وقيل: بغيه نسبته ما أتاه لله من الكنوز إلى نفسه بعلمه وحيلته؛ قاله ابن بحر.
وقيل: بغيه قوله إذا كانت النبوّة لموسى والمذبح والقربان في هارون فمالي! فروي أنه لما جاوز بهم موسى البحر وصارت الرسالة لموسى والحبورة لهارون؛ يقرب القربان ويكون رأسًا فيهم، وكان القربان لموسى فجعله موسى إلى أخيه، وجد قارون في نفسه وحسدهما.
فقال لموسى: الأمر لكما وليس لي شيء إلى متى أصبر، قال موسى؛ هذا صنع الله.
قال: والله لا أصدقنك حتى تأتي بآية؛ فأمر رؤساء بني إسرائيل أن يجيء كل واحد منهم بعصاه، فحزمها وألقاها في القبة التي كان الوحي ينزل عليه فيها، وكانوا يحرسون عصيّهم بالليل، فأصبحوا وإذا بعصا هارون تهتز ولها ورق أخضر وكانت من شجر اللوز فقال قارون: ما هو بأعجب مما تصنع من السحر.
{فَبَغَى عَلَيْهِمْ} من البغي وهو الظلم.
وقال يحيى بن سلاّم وابن المسيّب: كان قارون غنيًا عاملًا لفرعون على بني إسرائيل فتعدى عليهم وظلمهم وكان منهم.
وقال سابع: روي عن ابن عباس قال: لما أمر الله تعالى برجم الزاني عمد قارون إلى امرأة بغيّ وأعطاها مالًا، وحملها على أن ادعت على موسى أنه زنى بها وأنه أحبلها؛ فعظم على موسى ذلك وأحلفها بالله الذي فلق البحر لبني إسرائيل، وأنزل التوراة على موسى إلا صدقت.
فتداركها الله فقالت: أشهد أنك بريء، وأن قارون أعطاني مالًا، وحملني على أن قلت ما قلت، وأنت الصادق وقارون الكاذب.
فجعل الله أمر قارون إلى موسى وأمر الأرض أن تطيعه.
فجاءه وهو يقول للأرض: يا أرض خذيه؛ وهي تأخذه شيئًا فشيئًا وهو يستغيث يا موسى! إلى أن ساخ في الأرض هو وداره وجلساؤه الذين كانوا على مذهبه.
وروي أن الله تعالى أوحى إلى موسى: استغاث بك عبادي فلم ترحمهم، أما أنهم لو دعوني لوجدوني قريبًا مجيبًا.
ابن جريج: بلغنا أنه يخسف بهم كل يوم قامة، فلا يبلغون إلى أسفل الأرض إلى يوم القيامة.
وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب الفرج: حدّثني إبراهيم بن راشد قال: حدّثني داود بن مهران، عن الوليد بن مسلم، عن مروان بن جناح، عن يونس بن ميسرة بن حَلْبَس قال: لقي قارون يونس في ظلمات البحر، فنادى قارون يونس، فقال: يا يونس تب إلى الله فإنك تجده عند أول قدم ترجع بها إليه. فقال يونس: ما منعك من التوبة. فقال: إن توبتي جعلت إلى ابن عمي فأبى أن يقبل مني. وفي الخبر: إذا وصل قارون إلى قرار الأرض السابعة نفخ إسرافيل في الصور. والله أعلم.
قال السّدي: وكان اسم البغي سبرتا، وبذل لها قارون ألفي درهم.
قتادة: وكان قطع البحر مع موسى وكان يسمى المنوّر من حسن صورته في التوراة، ولكن عدوّ الله نافق كما نافق السامري.
قوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الكنوز} قال عطاء: أصاب كثيرًا من كنوز يوسف عليه السلام.
وقال الوليد بن مروان: إنه كان يعمل الكيمياء.
{مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ} {إنّ} واسمها وخبرها في صلة {ما} و{ما} مفعولة {آتَيْنَا}.
قال النحاس: وسمعت علي بن سليمان يقول ما أقبح ما يقول الكوفيون في الصلات؛ إنه لا يجوز أن تكون صلة الذي وأخواته {إن} وما عملت فيه، وفي القرآن {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ}. وهو جمع مِفتح بالكسر وهو ما يفتح به. ومن قال مفتاح قال مفاتيح. ومن قال هي الخزائن فواحدها مَفتح بالفتح.
{لَتَنُوءُ بالعصبة} أحسن ما قيل فيه أن المعنى لتنيء العصبة أي تميلهم بثقلها، فلما انفتحت التاء دخلت الباء. كما قالوا هو يذهب بالبؤس ويُذهِب البؤس.
فصار {لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} فجعل العصبة تنوء أي تنهض متثاقلة؛ كقولك قم بنا أي اجعلنا نقوم.
يقال: ناء ينوء نوءًا إذا نهض بثقل. قال الشاعر:
تنوء بأُخراها فَلأْيًا قِيامُها ** وتَمشِي الهُوَيني عن قريبٍ فَتَبْهَرُ

وقال آخر:
أخذتُ فلم أملك ونُؤْتُ فلم أَقُمْ ** كأنِّيَ من طول الزمان مقيَّدُ

وأناءني إذا أثقلني؛ عن أبي زيد.
وقال أبو عبيدة: قوله: {لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} مقلوب، والمعنى لتنوء بها العصبة أي تنهض بها.
أبو زيد: نؤت بالحمل إذا نهضت. قال الشاعر:
إنا وجدنا خَلَفا بئس الخَلف ** عبدًا إذا ما ناء بالحمل وقف

والأوّل معنى قول ابن عباس وأبي صالح والسدي. وهو قول الفرّاء واختاره النحاس.
كما يقال: ذهبت به وأذهبته وجئت به وأجأته ونؤت به وأَنَأتُهُ؛ فأما قولهم: له عندي ما ساءه وناءه فهو إتباع كان يجب أن يقال وأناءه. ومثله هنأني الطعام ومرأني، وأخذه ما قدُم وما حدُث. وقيل: هو مأخوذ من النأي وهو البعد.
ومنه قول الشاعر:
يَنْأَوْنَ عنا وما تَنْأَى مودّتُهم ** فالقلبُ فيهم رهينٌ حيثما كانوا

وقرأ بديل بن ميسرة: {لَيَنُوءُ} بالياء؛ أي لينوء الواحد منها أو المذكور فحمل على المعنى.
وقال أبو عبيدة: قلت لرؤبة بن العجاج في قوله:
فيها خطوطٌ من سوادٍ وبَلَقْ ** كَأنّه في الجِلدِ تَوْلِيعُ الْبَهَقْ

إن كنت أردت الخطوط فقل كأنها، وإن كنت أردت السواد والبلق فقل كأنهما. فقال: أردت كل ذلك.
واختلف في العصبة وهي الجماعة التي يتعصب بعضهم لبعض على أحد عشر قولًا: الأوّل: ثلاثة رجال؛ قاله ابن عباس.
وعنه أيضًا من الثلاثة إلى العشرة.
وقال مجاهد: العصبة هنا ما بين العشرين إلى خمسة عشر.
وعنه أيضًا: ما بين العشرة إلى الخمسة عشر.
وعنه أيضًا: من عشرة إلى خمسة.
ذكر الأوّل الثعلبي، والثاني القشيري والماوردي، والثالث المهدوي.
وقال أبو صالح والحكم بن عُتَيبة وقتادة والضحاك: أربعون رجلًا.
السدّي ما بين العشرة إلى الأربعين. وقاله قتادة أيضًا. وقال عكرمة: منهم من يقول أربعون، ومنهم من يقول سبعون.